من أنا

صورتي
طبيب ومدون، ابدأ خطواتي نحو المشاركة السياسية والحقوقية، أعشق الهدوء والخط العربي والتصوير. dr_hossam_elamir@hotmail.com

الجمعة، 30 ديسمبر 2011

فهل أنتم منتهون؟!


لو أن الخمر هي أم الخبائث ومفتاح كل شر، فإن تشويه الإدراك هو أبو المصائب التي جناها علينا المخلوع، ومفتاح كل خطر يصيب الثورة.

لقد عمد المخلوع طوال عهده البائد إلى تدمير التعليم المبني على البحث والاستنتاج، واستبدله بحصص التلقين والتسمين، التي لا تفرز أشخاصا أسوياء، يعون ما يقولون، ولا تسمح باستخدام العقل الذي ميز الله به الإنسان، كما دأب المخلوع على إعلاء قيم النفاق والتملق، فوق قيم العمل والكفاءة، فأورثنا أجيالا شُوِّه إدراكها، واهتزت ثوابتها، فاهتمت بسفاسف الأمور، وأنهكها البحث عن مبررات الظلم، لا الوقوف في وجهه.

الفقرة السابقة تلخص المحاولات الحثيثة لأغلب شعبنا المقهور، في تبرير قتل المتظاهرين، ومحاكمة النشطاء، وانتهاك عرض البنات، من قبل طغاة الجيش والشرطة، فانتقل الحوار من قبول أو رفض هذه الممارسات مبدأً إلى التراشق لنفي أو اثبات أهلية الضحايا للاحترام والمحافظة على أرواحهم وأعراضهم، وكأنما قد خلق الله الناس بعضهم آدميين لهم كل الحقوق، والآخرين (كمالة عدد)، لا يُعبأ بهم ولا لهم.

حتى ترى فداحة الموقف وحجم انتشار تشوه الإدراك يكفي أن تعلم أنه قد أصاب جميع الطبقات، حتى خريجي الجامعات الذين يفترض فيهم اهتمامهم بالعلم والبحث، أو الكتّاب الذين يفترض فيهم رقي الأحاسيس وتهذيب المشاعر، فتجد منهم من يقبل قتل سائق ميكروباص الأزبكية بدعوى أن (ربنا خلق الأنسان ثم الحيوان ثم سائقي الميكروباص)، ومن يبرر قتل المتظاهرين بدعوى أنهم بلطجية وهاجموا أقسام الشرطة، ومن يساند محاكمة علاء عبد الفتاح عسكريا لأنه ملحد، ومن لا يرى في فتاة التحرير المسحولة غير أنها لم ترتد شيئا تحت ملابسها، أو أنها سَبَّت الضباط والعساكر، ومن ينكر غضبتنا لأجل هذه الفتاه باعتبار أن الاهتمام بحريق المجمع العلمي أولى، فهل وجدنا أثرا لهذا التعليم أو المجمع العلمي في أخلاق هؤلاء المتباكين؟!

إن الإدراك المشوه لدى هؤلاء هو ما جعلهم يخلطون بين أهمية البحث والتقصي عن صدق التهم الموجهة لأولائك الضحايا مع كامل الرفض لما وقع عليهم من تعد وظلم، وبين اعتبار التهم الموجهة مبررا لانتقاص آدميتهم وحقوقهم التي كفلها الدين والعرف، والإدراك المشوه أيضا جعل الناس تسوق أدلة من الشرع هي في حقيقتها لا تجيز التعدي والظلم، بينما هم تعاملوا معها كما تعامل من حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها، والإدراك المشوه أيضا هو ما أبعد هؤلاء عن الفطرة السليمة والنخوة والانتصار للمظلوم وهي قيم حرص عليها العرب في الجاهلية، رغم أميتهم، بينما أهدرناها رغم تعلمنا.

لقد حبس الخليفة عثمان عبيد الله بن عمر بن الخطاب حينما اقتص من قتلة أبيه الفاروق بنفسه، رغم ثبوت التهمة بحقهم، ذلك أنه تعدى على حق الحاكم في التحقق من توفر شروط القصاص في حق الجناة، وأنه اقتاد بنفسه، ولم يشفع له أنه ابن الفاروق، ولا أن الجناة من أعداء الدين والمفسدين، بل يروي الطبري أن عثمان قد مكن ابن أحد الجناة من القصاص من عبيد الله لولا أنه عفا عنه، وهكذا كان الإسلام، يكرم الإنسان ولا يرضى بامتهانه، فليس ثبوت التهمة مسوغا للتعدي في تطبيق شروط القصاص، فما بالك إن كانت التهمة لم تثبت وكان القصاص متعديا حدوده أصلا!

لقد ذم الله أقواما بما عصوا وكانوا يعتدون، وأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، ولا أدري كيف يفعل بنا الله وقد بلينا بمن لم يكتف بعدم إنكار المنكر، بل تعداه لتبريره، واستمراء الباطل، ولوك الأعراض، فإن عجزتم عن نصرتهم فلا أقل من البعد عن انتقاص آدميتهم وتبرير الظلم الواقع عليهم، فهل أنتم منتهون؟!

هناك تعليقان (2):

الفقيرة إلى الله أم البنات يقول...

رائعه لقد اثلجت صدرى
كل حرف قلته صحيح مائه بالمائه
نسال الله الفهم عليه وان يرحمنا من غباء البعض وظلمهم..ومن جهل البعض ومن طيبة الباقى

سهام يقول...

لا زلت عند رأيى بان المسالة مسالة انسانية ليس لها علاقة بالتعليم او الامية بدليل انك تجد من يبكى لبكاء طفل من يضرب نفس الطفل اذا بكى انه هذا الجزء الضغير فى الجسم القلب ان صح صح الجسم كله وان فسد فسد الجسم كله والمقال رائع واكثر من جيد ويضع كل انسان عند مسؤليته